بعد اثني عشر عاماً منذ بدء الأزمة السورية، فإن أكثر من 740،762 لاجئًا مسجلاً لدى المفوضية (660،022 سوريًا ؛ 1.3 مليون وفقًا للحكومة الأردنية) يواجهون ظروفاً معيشية واقتصادية متدهورة، بينما تضعف الأزمات الإقليمية والدولية اقتصاد المملكة، إلى جانب اضمحلال المساعدات الدولية ذات الضرورة الملحة. ورغم موارد الأردن الكبيرة، فما يزال على المجتمع الدولي الإيفاء بالتزاماته. حيث تم تأمين 10٪ فقط (مقارنة بـ 18٪ في الربع الأول من عام 2021 و 13٪ في الربع الأول من عام 2022) من المبلغ المخصص لخطة الاستجابة الأردنية وهو 98.04 مليون دولار أمريكي من أصل 942.50 مليون دولار أمريكي متطلب. (الأرقام والمتطلبات المتعلقة باستجابة اللاجئين لدعم الميزانية المباشر للحكومة الأردنية غير معروفة حتى الآن لعام 2023.)

وفقاً لإطار تقييم الهشاشة الخاص بمفوضية الأمم المتحدة للاجئين للربع السنوي الأخير لعام 2022، فإن 90% من الأسر اللاجئة ما تزال مُثقّلة بالديون، مع لجوء معظمها إلى أساليب التكيف السلبية لتلبية احتياجاتها الأساسية. في حين أشار صندوق النقد الدولي إلى مستويات بطالة غير مسبوقة في المملكة، والتي بلغت العام الماضي 22,6%، حيث وصلت نسبة البطالة بين صفوف الشباب إلى 50% تقريباً.

تقول اللجنة التوجيهية لمنتدى المنظمات غير الحكومية الدولية في الأردن: “إدراكاً بأن غالبية اللاجئين من الممكن ألا يعودوا إلى سوريا في المستقبل القريب، فإن من المهم منح الأولوية لإيجاد خيارات آمنة تحفظ الكرامة، مع الترحيب بما يقدمه اللاجئون لأماكن إقامتهم الحالية من تنوع وقدرة على التكيف.”

لقد أدت جهود المصالحة الإقليمية الأخيرة مع الحكومة السورية إلى إعادة طرح المسائل المتعلقة بالعودة الطوعية للاجئين السوريين، غير أن إحصاءات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تشير إلى أن 96% من اللاجئين السوريين في الأردن لا ينوون العودة العام القادم. وبالنظر إلى الأوضاع الأمنية والاقتصادية الحالية في سوريا، وفي ظل غياب أي حل سياسي، فقد يستغرق الأمر سنوات عدة قبل أن تتلاءم الظروف لعودة آمنة

ورغم الظروف الصعبة التي يواجهها اللاجئون، فإنهم بصمودهم ومثابرتهم ما زالوا محل إعجاب.

تشكيل القدرة على الصمود في الفترات الصعبة

ياسمين، التي هي إحدى المشاركات في مشروع التمكين الاقتصادي الذي يديره الاتحاد اللوثري العالمي، فرّت من الحرب في سوريا في عام 2013 مع أطفالها الخمسة. قد كان من الصعب بالنسبة لها أن تبدأ حياة في الأردن، لا سيما أنه كان صعباً أن ترسّخ نفسها في المجتمع الجديد كربّة منزل. فلقد ساعدها المشروع على إنشاء حديقتها المنزلية، إذ وفّر لها خزان ماء وشبكة مياه ومجموعة أدوات وشتلات، فضلاً عن عدة تدريبات نظرية وعملية في البستنة والتسويق والتغليف. وهو ما ساعدها على تحويل مساحتها المليئة بالزرع إلى حديقة، التي تعرض فيها بفخر الخضراوات المتنوعة الألوان، مثل الطماطم والخيار والفليفلة الحلوة والبطاطا.   

وهي تقول: “لست بحاجة إلى شراء الخضراوات الأخرى من الخارج. توفر لي الحديقة الخضراوات والفاكهة التي أحتاجها لاستهلاك أسرتي. وهو بالطبع ما يقلل كثيراً من المال الذي كنت أنفقه على طعام منزلي.”

تركز المنظمات الأخرى، كمنظمة (Humanity & Inclusion HI)، على تلبية احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال إعادة التأهيل البدني، والتعليم الشامل، وفرص كسب المعيشة الشاملة، وتشكيل قدرات الجهات الفاعلة المحلية، وتعزيز النظام الصحي.

عمر، الذي هو واحد مما نسبته 22,8% من اللاجئين السوريين ذوي الإعاقة القاطنين في الأردن، قد فقد ساقه نتيجة هجوم بقذائف خلال الحرب. وبعد مكوث قصير في مستشفى ميداني، عاد ليجد منزله مدمّراً بفعل الحرب. وقد انتهى به المطاف بالفرار إلى الأردن مع أسرته، حيث التمس المساعدة من منظمة (HI) للحصول على خدمات إعادة التأهيل وعلى طرف اصطناعي جديد.

أنا ممتن للمساعدة التي تلقيتها، التي مكنتني من استعادة عافيتي والتكيف مع حياتي الجديدة بعد الحرب. ورغم التحديات والخدمات المحدودة المقدمة، آمل أن توسّع تلك المنظمات نطاق دعمها من أجل تقديم العون للمزيد من الأشخاص الذين حالهم كحالي. فقد كان لتفانيهم أثر إيجابي كبير على مسيرتي كلاجئ سوري في الأردن.” – عمر، أحد المشاركين في برنامج إعادة التأهيل لمنظمة (HI).

منذ بدء الأزمة السورية والمنظمات غير الحكومية الدولية في الأردن ما فتئت تعمل لتقديم جملة من المشاريع ذات الحاجة الملحة، ومنها المساعدات النقدية، والنقد من أجل العمل، والتعليم، والتمكين الاقتصادي، والحماية، والتدريب المهني، والخدمات الصحية.

بيد أن التمويل المخصص للعمل الإنساني الآخذ بالتراجع المستمر قد شكّل عقبة أمام تحقيق الأثر المرجو في جميع قطاعات الاستجابة وهو يقوّض التحول نحو برامج التنمية. كما يساهم ذلك في تزايد أوجه الهشاشة والاعتماد على المساعدات لكل من اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة. وأمام هذا الواقع المرير، والأزمات المعقدة المؤثرة على اقتصاد البلاد، من المهم أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته تجاه البلدان المضيفة مثل الأردن وأن يزيد من دعمه من أجل التخفيف من التحديات المعقدة التي يواجهها اللاجئون والمجتمعات المضيفة تفادياً للدخول في حلقة مفرغة من الاعتماد على المساعدات وتجنباً لزيادة الأعباء على اقتصاد المملكة المتراجع.

تقول اللجنة التوجيهية لمنتدى المنظمات غير الحكومية الدولية في الأردن: “إن الحوار والتنسيق ضروريان للمحافظة على الخدمات ووضع رؤية مشتركة لازدهار الأردن واستقراره. إن الأطراف المعنية ذات العلاقة، ومن بينها الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية وغيرها من المنظمات ذات العلاقة، يجب أن تتواصل فيما بينها حرصاً على تلبية احتياجات اللاجئين والمجتمعات المضيفة في الأردن على نحو مجدٍ ومؤثر.”

وعلى ضوء مؤتمر بروكسل السابع المقبل المعني بدعم مستقبل سوريا والمنطقة، فإن كافة المنظمات، البالغ عددها تسعاً وخمسين منظمة، العضوة في منتدى المنظمات غير الحكومية الدولية في الأردن، تدعو المجتمع الدولي إلى تضافر جهوده للتوصل إلى حل سياسي وإلى زيادة دعمه المالي للبرامج المستدامة الملبية للاحتياجات بعيدة المدى بعيداً عن الاعتماد على المساعدات. إذ لا يمكن للاجئين السوريين في الأردن إعادة بناء حياتهم واستعادة الأمل بمستقبل أفضل إلا من خلال التعاون الدولي والجهود المستمرة.

[i] UNHCR Jordan Financial Tracking update 2023, 2022, 2021.

[ii] Syrian Refugees’ Perceptions & Intentions on Return to Syria UNHCR Regional survey May 2023

[iii] Removing Barriers: Humanity & Inclusion and iMMAP publish a disability assessment of Syrian refugees in Jordan and Lebanon