مع دخول مخيم الأزرق عقدًا ثانيًا من حياته، يكافح سكانه لتلبية الاحتياجات الأساسية في ظل تفاقم الأوضاع بسبب تضائل المساعدات وتقلصها المستمر. وعلى الرغم من الاحتياجات الكبيرة وانخفاض الموارد، فإن الحلول الطويلة الأمد لنزوح اللاجئين السوريين المقيمين في المخيم تظل بعيدة المنال. ويشكل هذا الواقع مصدر قلق رئيسي لمنتدى المنظمات غير الحكومية في الأردن وشبكته المكونة من أكثر من 50 منظمة دولية

افتُتح مخيم الأزرق في أبريل 2014 لتخفيف الضغط على مخيم الزعتري للاجئين الذي لم يعد قادراً على استيعاب تدفق اللاجئين المتأثرين بالنزاع. واليوم، يضم مخيم الأزرق أكثر من 42،000 لاجئ سوري مسجلاً. وبينما تتضمن البنية التحتية للمخيم مدارس ومستشفى ومحطة طاقة شمسية، إلا أن الظروف المعيشية فيه تظل قاسية للغاية، حيث يتلقى السكان 9 إلى 11 ساعة من الكهرباء يوميًا ويجب أن يصطفوا في طوابير أمام حنفيات عامة للحصول على المياه. ويجدون أنفسهم مضطرين للعيش في كرافانات وخيم بالكاد تقيهم من حرارة الصيف اللاهبة وبرودة الشتاء في المناخ الصحراوي القاسي. وبعد مرور 10 سنوات، تتقادم البنية التحتية للمخيم، بما في ذلك الخيم والكرفانات، وتحتاج إلى موارد كبيرة للصيانة. وعلى الرغم من بذل جهود كثيرة لجعل الأزرق أكثر خضرة، إلا أن الهيكل التنظيمي للمخيم لا يتماشى مع أهداف الصمود المناخي الوطنية، ويعاني اللاجئون من محدودية الوصول إلى اللوازم الضرورية لإجراء الإصلاحات وإطلاق المبادرات الخضراء بناءً على ما هو متوفر في سوق المخيم

وعلى الرغم من الوسائل المحدودة، أظهر اللاجئون في الأزرق قدرة على التحمل، ووجدوا حلولًا إبداعية للتكيف مع حياة المخيم، بما في ذلك اللجوء لزراعة النباتات المائية لزراعة الفراولة في الحدائق المنزلية وتعديل الملاجئ ذات الغرفة الواحدة باستخدام فواصل مؤقتة. وللتغلب على غياب وسائل النقل العامة في المخيم، قام اللاجئون بتحويل الدراجات الهوائية إلى دراجات كهربائية لتساعدهم على التنقل في المخيم بسهولة أكبر

وعلى الرغم من هذه الأمثلة، شهد العام الماضي تقليصات كبيرة في المساعدة المقدمة للاجئين في الأردن، مما يؤثر على أكثر من 640 ألف لاجئ سوري في جميع أنحاء البلاد. فقد تم تقليص المساعدة الغذائية في المخيمات على وجه الخصوص في يوليو 2023، إذ انخفضت المساعدة من 32 دولار أمريكي للشخص في الشهر إلى 21 دولار أمريكي للشخص في الشهر. وفي نهاية عام 2023، انخفضت المساعدة الشتوية بشكل أكبر بسبب الأزمة في المنطقة وتحول أولويات الجهات المانحة إلى أزمات أخرى

يروي سكان الأزرق أن العائلات تلجأ إلى استراتيجيات تكيف سلبية لتلبية احتياجاتها أساسية. يقول أحمد، البالغ من العمر 25 عامًا وهو أحد سكان المخيم: “يسحب الآباء أطفالهم من المدرسة ويدفعونهم للعمل حتى يساعدوهم في تأمين لقمة العيش، ويعتقد بعض الآباء أنه من الأفضل تزويج بناتهم في عمر صغير جدًا عندما يتعذر عليهم إعالتهن”. وشرحت سناء، وهي امرأة تبلغ من العمر 23 عامًا تعيش في الأزرق: “بعض الناس لا دخل لديهم سوى القسائم الغذائية. ويعاني كبار السن والنساء العزباء أكثر من غيرهم… كنا في السابق نأكل الفواكه واللحوم، لكن الآن لا نراها إلا في المناسبات الخاصة”

كما يؤثر تضائل المساعدات سلبًا على اللاجئين في مخيم الأزرق وهو واقع سوف يزداد سوءاً في المستقبل إن لم يتغير الحال، حيث تبقى الفرص الاقتصادية والقنوات المؤدية إلى الاعتماد على الذات نادرة في المخيم، خاصة أن الطبيعة الصحراوية والمعزولة للأزرق تجعل من الصعب العثور على عمل خارج المخيم وحتى إن وجد العمل، فإن الوصول إليه صعب. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد الكثير من الفرص الوظيفية المتاحة خارج المخيم، عدا عن تقييد حركة الأشخاص والبضائع داخل وخارج المخيم. لقد كانت الفرص الوظيفية التطوعية مدفوع الأجر التي قدمتها المنظمات الدولية توفر دخلاً مؤقتاً لبعض العائلات في السابق، ولكن توافر هذه الفرص تراجع بشكل كبير بسبب نقص التمويل. ووفقًا للتقييم الأخير للجنة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، فإن 91% من الأسر في مخيم الأزرق مدينة، يرجع ذلك في الغالب إلى احتياجات الغذاء والرعاية الصحية

يستمر الأردن في استضافة اللاجئين بكل سخاء على الرغم من التحديات الاقتصادية، بما في ذلك مستويات البطالة العالية في البلاد. ولذلك، يحث منتدى المنظمات غير الحكومية في الأردن المجتمع الدولي على مواصلة تحمل المسؤولية المشتركة لصحة ورفاهية اللاجئين وتوفير تمويل طويل الأجل كافٍ لخلق فرص مستدامة، ولدعم اللاجئين لتحقيق الاعتماد على الذات في مخيم الأزرق وخارجه. يمكن أن تبدأ هذه العملية بالتنسيق مع السلطات داخل المخيم لزيادة حرية حركة الأشخاص والبضائع والخدمات داخل وخارج المخيمات، مثل إتاحة الفرص للاجئين المهتمين بالعمل والسفر والدراسة خارج المخيم. ولتحقيق أقصى استفادة وأثر لتمويل المانحين، يجب بذل جهد جماعي لتقليل العقبات التي يواجهها اللاجئون والتي تحول دول تحقيق الاعتماد على الذات

يحتاج اللاجئون السوريون بعد 13 عامًا في المنفى إلى حلول طويلة الأجل لنزوحهم. ومع بقاء الظروف في سوريا غير ملائمة لعودة اللاجئين بأمان، تم إعادة توطين أكثر من 10,700 لاجئ إلى بلدان أخرى في عام 2023، مما يمثل تطورًا إيجابيًا لمستقبل اللاجئين المؤهلين لمثل هذه الفرص. ومع ذلك، تبقى آمال الاستقرار في بلدان أخرى بعيدة المنال للكثيرين. ومن هذا المنطلق، يشجع منتدى المنظمات غير الحكومية في الأردن جميع الحكومات على تحمل المسؤولية المشتركة لاستضافة اللاجئين من خلال زيادة استقبالهم للاجئين عبر عملية إعادة التوطين. ويجب في سبيل تحقيق ذلك أن تنخرط جميع الأطراف المعنية في عمل التخطيط والحوار الجاد لفهم الطريقة الأفضل للتغلب على القيود المالية وللاستجابة لإحتياجات الدعم المستمر لوضع النزوح في الأردن

تشير كل الوقائع إلى أن معظم اللاجئين السوريين سيظلون في الأردن حتى تصبح العودة بلدهم الأصلي آمنة حقاً. لذلك يجب دعمهم في المدى المتوسط لتحقيق الاعتماد على الذات بطرق يمكن أن يستفيد منها كل من اللاجئين والمجتمعات المضيفة، ولابد من رفع الحواجز التي تعيق اللاجئين من الوصول إلى الفرص الاقتصادية أو إنشائها، وهذا من شأنه أن يسمح للأردن بالاستفادة من المهارات والإمكانيات غير المُستغلة لدى اللاجئين بطرق تسهم في نمو الاقتصاد الأردني وخلق الوظائف